الجمعة، 9 مارس 2012

ثورتين في واحد


ثورتـين في واحد
بقلم : محمود عبد السلام علي 

أنتظرنا بعد أن قمنا بخلع الطاغية أن يتم هدم سور الطغيان و كيانات الفساد المحيطة به آن ذاك .
أنتظرنا كثيراً و طال أنتظارنا , حتي رأينا من بعيد أناس كثيرون ظننا أنهم قد جاءوا معنا ليهدموا هذا السور و يساعدونا فيما بدأنا فيه .
و عندما أقتربوا و وصلوا ألينا وجدناهم أشياعاً متفرقة , فلولاً متناثرة .
لا هم لهم سوي تعطيل الزحف المقدس نحو هدم كيانات الأستبداد و الطغيان و الفساد ليس بإرادتهم و لكن بموجب عدم تفهمهم و عدم أجتماعهم علي هدف واحد ألا و هو خدمة هذا الوطن .
و منذ تلك اللحظة أدركت أن الصورة مازالت قاتمة و قد تكون أسوأ مما كانت عليه قبل ذلك .
و عند ذلك أدركت أن مهمة الطليعة الثورية لم تنتهي بعد , تلك الطليعة كانت تختاج إلي النظام فترك لها النظام السابق ما يكفي من الفوضي و تحتاج إلي الإتحاد فسارع الكثيرون إلي تشتيتنا و تحزيبنا .
أعترف أن هذا الحال كله سبب لي و للكثير حالة من الأحباط و تسبب لنا في حالة نفسية سيئة .
ولكن بعد أن دققت في فلسفة الثورات و البحث في التجارب السابقة و أستخلاص المعاني الحقيقية لما عاناته الثورات السابقة .
كل هذا ساعدني أن أخفف علي نفسي وقع الأزمة التي نعانيها و جعلتني ألتمس لهذا كله أعذاراً من الواقع حينما نظرت اللي الصورة الكاملة لحالة الوطن .
فوجدت أننا نعيش في ثورتين و ليس في ثورة واحدة و أن لكل شعوب الأرض ثورتان 

الأولي ثورة سياسية يسترد بها الشعب حقه في حكم نفسه بنفسه من يد طاغية فرض عليه , أو من جيش معتد أقام علي أرضه دون رضاه.

أما الثانية فهي ثورة إجتماعية تتصارع فيها الطبقات ثم يستقر فيها الأمر عندما تتحقق العدالة لأبناء الوطن الواحد .

الغريب في الأمر أن كل الشعوب مرت عليها تلك الثورتان لكن لم يعيشوا الثورتان في آن واحد 
أنا الخلاصة في تلك التجربة التي نعيشها أن لكل من الثورتين خصائص و ظروفاً خاصة مختلفة عن الأخري , تتنافر تنافراً عجيباً و تتصادم تصادماً مروعاً .
فإن الثورة السياسية تتطلب لإنجاحها الإتحاد بين عناصر الأمة و ترابطهم و تساندهم و إنكارهم للذات .
أما الثورة الإجتماعية فإن أهم مقوماتها تزلزل القيم و تخلخل العقائد و تصارع المواطنين مع أنفسهم أفراداً و طبقات و أيدولوجيات و تحكم الفساد و الشك و الكراهية .
وبين شقي الرحي هذين قدر لنا أن نعيش في ثورتين .
ثورة تحتم علينا أن نتحد و نتحاب و نتفاني في الهدف و ثورة تفرض علينا برغم أرادتنا أن نتفرق و تسودنا البغضاء ولا يفكر كل منا سوي في نفسه فقط .
وبين شقي الرحي تلك ضاعت مثلاً ثورة 1919 ولم تستطع أن تحقق أهدافها فقد تجمعت جموع الشعب لهدف إسقاط أنظمة الفساد و الطغيان لكنها لم تلبث إلا قليلاً حتي شغلها الصراع فيما بينها أفراداً و طبقات .
و كانت النتيجة فشل ذريع فقد زاد الطغيان تحكماًُ فينا بواسطة قوات الأحتلال المقنع التي كان يتزعمها في ذلك الوقت السلطان فؤاد .

وعندها لم يحصد الشعب إلا الشكوك في نفسه و إلا الكراهية و البغضاء و الأحقاد فيما بين أفراده و طبقاته , و شحب الأمل الذي كان ينتظر أن تحققه ثورة 1919 مثلما شحب الأمل حالياً الذي كان من المنتظر أن تحققه ثورة 25 يناير و هنا قلت شحب ولم أقل تلاشي أو مات الأمل و ذلك لأن قوي المقاومة الطبيعية التدي تدفعها الآمال الكبيرة و الأهداف النبيلة التي تراود شعبنا كانت لا تزال تعمل عملها و تستعد لمحاولة جديدة ولهذا فإن شحوب الأمل هذا بارقة خير فنحن مازلنا في أنتظار ثورة أخري تصحح أخطاء تلك الثورة 
أما إذا أردنا أن تكتمل تلك الثورة الشعبية حتي تتحقق أهدافها فيجب علينا أن نسير في طريق الثورتين معاً

الاثنين، 5 مارس 2012

مصر .. المحتـلة

مصر ... المحتلة

بقلم : محمود عبدالسلام

كثيراً مايقولون علي شعبنا المصري إنه شعب يصنع الفرعون و يجعل منه إله .
  وفي هذه الآونة أصبح يقال عنه إنه شعب منبطح خاضعاً مستسلماً لقوي الأستبداد التي تتحكم في مصيره و مصير بلاده .
أما من وجهة نظري المتواضعة , فأنا أقف مدافعاً عن هذا الشعب الذي طالما عاش محتلاً طوال حوالي ثلث قرن , عاش بدون إرادة لم يكن له حتي حق أن يصنع الفرعون بل كان الفرعون هو من يأتي عليه لا نعلم من أين قد أتي أو من الذي قد أتي به , ويفرض علينا أن نقول له سمعاً و طاعة , وعليه هو االآخر أن يبدي فروض الطاعة و الولاء إلي من قد أتوا به .
حتي أصبحنا في هذه الأيام دولة بلا سيادة علماً بأن السيادة من أهم صفات الدولة المستقلة .
ولهذا كان أصبحت مصرنا في تلك الأيام " مصر المحتلة "
مصر التي أصبحت تعاني من فقدان لهيبتهاو إستقلاليتها .
و هذا الذي قد لاحظه الجميع من تدخلات سافرة قبل الثورة أو أثناء الثورة و بعدها من قبل الحكومة الأمريكية .
و لكن كلنا علي إيمان بشعبية ثورتنا و وطنيتها لكن التدخل أثناء الثورة من رأيي مارست الإدارة الأمريكية نوعاً من الضغط علي المخلوع و المجلس العسكري حيث فرضت علي مبارك التخلي عن الرئاسة و فرضت علي المجلس العسكري أن يقود البلاد تبعاً لقواعده التي يشترطها و الله أعلم لكن هذا السيناريو هو الأقرب للعقل في هذه الآونة .
وهنا نطرح السؤال الأهم كيف قد تحولت مصر من دولة مستقلة إلي دولة محتلة ؟؟
منذ قرابة الثلث قرن أي من منتصف السبعينيات تقريباً بدأت المعونة الأمريكية بالتدفق مرة أخري بعد أنقطاع دام 10 سنوات .
في باديء الأمر كان الإقتصاد المصري يتسم بالنمو السريع طوال العشر سنوات الأولي أي من عام 1975 إلي عام 1985 و ذلك النمو لم يكن له علاقة بتدفق المعونات الأمريكية , و لكن بسبب هجرة العمالة المصرية إلي دول الخليج و ماكان يرسله المهاجرون من تحويلات إلي مصر.
أما بعد العشر سنوات الأولي لتدفق المعونات فقد بدأت مصر تعاني من أداء أقتصادي رديء و سيء من عام 1985 إلي وقتنا الحالي , و ذلك يرشدنا أن تدفق المعونات الأمريكية ليس له علاقة بسوء أقتصادنا .
فإن إنصياع الدولة المصرية و القائمين عليها للإدارة الأمريكية في فترة السبعينيات و إتباعنا لسياسة الإنفتاح الأقتصادي الذي فتح أبواب الإقتصاد المصري أمام الواردات الضرورية و الغير ضرورية مما جعل منا مجتمعاً إستهلاكياً يقوم بإستهلاك ما تنتجه المجتمعات الأخري .
وذلك يفسر لنا ضعف الأداء السياسي و الإقتصادي لمصر في الوقت الحالي .
فبالرغم كوني لست ناصرياً لكن رحم الله الرئيس الراحل " جمال عبد الناصر " عنددما قال الشعب الذي لا يملك قوت يومه لا يملك قراره .
هذا النمط من السلوك الأقتصادي و السياسي قد طالبت به الإدارة الأمريكية لتحكم سيطرتها علي النفوذ و العلاقات الخارجية لمصر.
و تشجيع الإدارة الأمريكية أيضاً لسياسة الخصخصة الذي لا يدفع الناتج القومي إلي الأمام إطلاقاً و لايخفض مستوي البطالة بل يزيدها .

إذا نظرنا أيضاً إلي الجانب العسكري و الذي يظن الكثير إنه يتمتع أيضاً بقدر من الإستقلالية و الحصانة من التدخلات و يعتبر الكثير من الناس إن هذا الجانب محظور.

إن المعونات الأمريكية العسكرية لمصر لم تقترن هي الأخري بأي تحسن في مركز مصر السياسي أو العسكري , سواء كان في العالم أو في الشرق الأوسط .
بل كان من شأنه تدهور العلاقات المصرية مع دول المنطقة .
فإن مصر لم تتحرك عسكرياً و لا سياسياً لمؤازرة العراق عندما ضرب مفاعلها النووي في 1981 أو2003  أو لمؤازرة لبنان عندما هاجمتها إسرائيب في 1983 ثم في 2006 أو لمؤازرة ليبيا عندما شنت القوات الأمريكية ضربها بالطائرات في عام 1986  إلخ ...........

بأختصار شديد المعونة الأمريكية لم تزد من قوتنا بل أضعفتنا سياسياً و عسكرياً و إقتصادياً .

إذاً فإن فشل مصر إقتصادياً و سياسياً و عسكرياً يتميز بعلاقة طردية مع قوة العلاقات المصرية الأمريكية .
فكلما زادت العلاقات المصرية الأمريكية قوة كلما زاد فشل مصر إقتصادياً و سياسياً و عسكرياً .
فمن ثم إن المعونة الأمريكية لمصر ليست معونة إطلاقاً بل هي أداة للتلاعب بإدارة الدولة المصرية لأضعافها و زعزعة أركان هذه الدولة و بذلك تنعدم السيادة للدولة و تصبح هي القوي المهيمنة المسيطرة لجوانب الحياة في المجتمع المصري .
فإن المعونة الأمريكية تقف بمثابة حجر عثرة في طريقنا نحو التنمية و الحرية التي قامت من أجلها ثورتنا التي لم تكتمل بعد .

هنا يطرأ في أذهاننا جميعاً .. ماهو المانع إذاً من أن رفض تلك المعونة طالما تتسيي لنا في كل هذه المتاعب و تجعل منا دولة محـــــــتــلة ؟

* المانع بأختصار هو إننا مجبرون و ذلك ليس لأننا بحاجة إليها بل لأن هذا الأجبار يتخذ صورة تقليدية مرت مصر بها قبل الأنقلاب العسكري في عام 1952 ألا وهي صورة الإستعمار .
حيث أنه يمارس القهر ليس بطريقة مباشرة أي ليس بيد المستعمر بل بيد الحاكم أو الفرعون الذي ينصبه هو بنفسه .
أي أن أمريكا تجعل هناك موكليين محليين لممارسة كافة أنواع القهر و بذلك توظف القائمين بأدارة البلاد لخدمة مصالحها لحسابها الشخصي و تمدهم بكافة الوسائل التي تساعدهم و تعزز مواقفهم و حمايتهم .
وسريعاً ما يغدق عليهم بالأمتيازات و الصلاحيات , مما يجعل من العمل في خدمة السيد الأمريكي شيئاً جميلاً و ممتعاً .

هذا الأسلوب من القهر الغير مباشر طالما أعتمده المستعمر لأنه أقل تكلفة في المال و الأرواح و ضروري أيضاً لكي يكون فعالاً و ذلك لأن هؤلاء الوكلاء المحليين هم أقدر علي مخاطبة المقهورين بلغتهم و خداعهم بمختلف أنواع الميديا .
هذا و قد نجح المارد الأمريكي في هذا الأسلوب حتي الآن بالرغم من قيام الثورة التي قامت من أجل أسترداد كرامة الدولة و هيبتها .
إلا أنها ما زالت تلعب نفس الدور التي كانت تلعبه مع مبارك و عائلته وحاشيته .
وتلعبه الآن مع المجلس العسكري و أعوانه ممن وصلوا إلي الكراسي .
وهذا يتضح بالأحداث الأخيرة المتعلقة بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني و إخلاء سبيل المتهمين الأمريكان بالرغم كون هذه القضية جنايا و لا يجوز فيها إخلاء السبيل مقابل ضمان مالي مهما كان قدره .
وذلك ما يؤكد علي تلاعب المارد الأمريكي بمؤسسات الدولة و توغله فيها , حتي المؤسسة القضائية التي ظننا أنها أبعد ما يكون عن التدخل و أنها المؤسسة الوحيدة التي مازالت محتفظة بهيبتها و لكن و أسفاه فإن الإحتلال الأمريكي لمؤسسات الدولة علي أتم أستعداد في الوقت الحالي لهدم جدران الدولة فوق رأس شعبنا المحتــل .

فعذراً شعبنا المصري يجب عليك أن تبكي دماً علي مصر التي ما زالت محـتلة .