صراع اللا شيء
بقلم : محمود
عبدالسلام علي
هناك من ولد في
عالمنا هذا ليكن مصارعاً , و هناك من ولد ليعلم كيف تصنع حلبة الصراع و كيف يجني من
وراءها المكسب و كيف يسخرها لخدمة أهدافه و ذلك بإجبار المتصارعين علي إحترام
قواعده علي الحلبة التي هو بصانعها .
و علي هذا فهناك من يصارع وفقاً لقواعده الخاصة التي تتسق مع مبادئه و التي قد تغضب منه الجمهور أحياناً و قد تغضب صاحب الحلبة أيضاً لأنه لم يأبه بالقواعد التي وضعها .
هذا المصارع يعلم جيداً إنه قد تكسر ضلوعه ... قد تتهشم رأسه لكن آثر علي كل ذلك عقله الذي أنجب الفكرة و حافظ عليها لأنه علم و أدرك أن الأفكار دائماً أبقي و أخلد من أجسادنا .
و علي الصعيد الآخر فهناك من يتصارع وفقاً لمبدأ " الغاية تبرر الوسيلة " فهو يتصارع حسب ما تفرضه الحلبة عليه من أجواء و تقلبات و وفقاً للشروط و القواعد التي وضعها صانع الحلبة , و ما إن تبدلت المصالح المشتركة بين المصارع و الصانع حتي إستطاع الصانع من الإيقاع به بسهولة و كما يقولون يستطيع إيقاعه في شر أعماله !!
هذا هو واقعنا السياسي في مصر , هذا ما لم يدركه أولئك من يتصارعوا علي الساحة من مدعين سواء مدعي الدولة المدنية أو مدعي الدولة الدينية , كلاهما يتصارعان من أجل البقاء و كل منهم يتصارع من أجل الوصول للسلطة و سيظلوا هكذا واهمين أنفسهم بقبض الريح بأيديهم !!
و من هنا نستطيع أن نبدأ المقال ......
لنعود بالزمان إلي الخلف قليلاً , حينما بدي في الأفق جلياً فكرة التوريث في عهد الرئيس المخلوع " مبارك " , و عندما بدأت تظهر مؤشرات توحي بجدية رغبة العائلة المباركية في أن تنتقل السلطة من مبارك الأب إلي مبارك الإبن " جمال مبارك " .
عندها لاح في الأفق لأول مرة علي الساحة السياسية إسم اللواء " عمر سليمان " و بدأ إسمه يتداوله الناس في أحاديثهم علي غير العادة عن كون رئيس جهاز المخابرات غير راضياً عن إنتقال السلطة من مبارك الأب إلي مبارك الإبن , و عن كون المؤسسة العسكرية غير راضية عن ذلك تماماً , لكن الغريب في ذلك أن عندما تناقل الناس هذا الكلام آن ئاك تناثر كلام حوول أن إعتراض المؤسسة العسكرية ليس علي مبدأ التوريث بل إنما علي مبدأ إنتقال السلطة من يد السلطة العسكرية المتمثلة في "مبارك" إلي شخص "مدني" أياً كان من هو .. !!
و هنا كانت أولي حلبات الصراع , عندما بدأت المؤسسة العسكرية تنسحب تدريجياً من دعم نظام مبارك خاصاً عندما رأوا ما قام به مبارك و وزير داخليته آن ذاك "حبيب العادلي" عندما قام بتكثيف القوي العددية لقوات الأمن حتي إنها كادت أن تصبح أكثر قرباً إلي صورة الجيش الموازي لا ينقصها سوي الدبابات و الطائرات .
فهذا الجيش الموازي الذي كان يجهز لحماية عملية التوريث تلك , حتي ما أعلنت المؤسسة العسكرية رفضها التام و الصريح لجمال مبارك , فكان من ذلك الجيش الموازي إلا أن يتصدي لذلك الرفض بتصفية المعارضين كم أي جانب كان حتي و إن كانت المؤسسة العسكرية ذات نفسها و هنا كان سيحدث ما لا يحمد عقباه .
و هنا آثرت المؤسسة العسكرية إلتزام الحياد المائل نحو حتمية سقوط هذا النظام و وضع آلية لذلك و لإحتواء ذلك ما إن إنتفض الشعب حيال ذلك و أن يبقي الوضع تحت سيطرتهم , وذلك بما لا يضر بمصالحهم داخل مؤسسات الدولة و هيمنة هذه المؤسسة علي كل كبيرة و صغيرة فتلك الهيمنة التي ظلت و أمتدت لطوال 60 عاماً ظل في الحكم العسكري منذ عام 1952 .
و هنا كانت أولي جولات الصراع , حين تصارع الجميع بكل طوائفه و بكل توجهاته الفكرية ضد نظام مبارك حتي سقط في 11 فبراير بعد ضغط شعبي و عسكري بعد أن إنسحبت المؤسسة العسكرية من دعم هذا النظام و كان الإنسحاب إنسحاباً تكتيكياً مخطط له ضمن خطو كاملة لإحتواء الأمر .
فلا يجب أن ننسي أو نتناسي أن قبل 25 يناير كان مبارك كان قد أحال ملف متابعة و إحتواء ما سيحدث إلي مكتب قائد المخابرات العسكرية و الحربية آن ذاك و هو الفريق "عبدالفتاح السيسي" وزير الدفاع الحالي و العضو التاسع عشر بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة السابق بقيادة المشير "طنطاوي" .
و هنا كانت ثاني حلبات الصراع , بعد أن سقط نظام مبارك بيد جميع القوي الوطنية و الشعبية متحدة معاً و بمساندة و ضغط سري من المؤسسة العسكرية حتي سقط طغيان نظام مبارك , لكن سرعان ما يجري البعض وراء أهدافه السلطوية مستعداً لعقد الصفقات و مستعداً لخسارة الجميع من أجل تلك الأهداف و مقابل تحقيق غايته .
هكذا فعلت الجماعة المحظورة "الإخوان المسلمين" و كذلك كانت خير آداة تلعب بها المؤسسة العسكرية و المخابراتية لتطبيق مبدأ " فرق تسد " فهم يعلمون خطورتهم ما إن وصلوا إلي السلطة و يعلمون قدرتهم التنظيمية التي هي بقادرة علي تسخيرها لتفرقة الصف .
و بدأ حينها الصراع يشتد بين الفرقتان المتناحرتان , فأحدهما يدعي الإستقرار و الحفاظ علي الشريعة و الطابع الديني للدولة و الآخر يدعي الحفاظ علي مدنية الدولة و الديموقراطية و الحفاظ علي الثورة و مكتساباتها, بغض النظر عن كونهما هما الإثنان كاذبان وكلاهما يقولان ما لا يفعلون , لكن صراعهم ذلك سواءاً في الإستفتاء علي التعديلات الدستورية أو علي دستور 2012 أو في مجلسي الشعب و الشوري ثم في الرئاسة .
كانت كلها صراعات مقصودة لتعميق ذلك الصراع و لتولد جبهات أخري أكثر و أكثر لتفرقة الصف , وفي ظل هذه الصراعات و المعارك يولد الثائر الحق الثابت علي مبدئه , فقد أدرك حينها الكثير من الشباب أن كلا الفريقان لا يعملان لا من أجل الثورة ولا من أجل الوطن إنما لمصلحتهم السلطوية فقط لا غير .
فالإخوان كما نعلم جميعاً عقدوا العديد من الصفقات مع المؤسسة العسكرية بكافة الطرق و السبل للوصول إلي سدة الحكم , أما النخبة المدنية فهي تنادي و تتكلم من الأبراج العالية و تتحدث عن مطامع سلطوية هي الأخري و يتكلمون و لو كأن ثورة لم تقم و كأن المواطن مهتماً بتلك الشئون السلطوية , فالمواطن البسيط لا ينظر إلي تلك المهاترات لكن ينظر إلي من يري فيه أن يحقق له لقمة العيش و الخدمات و هكذا أجاد الإخوان الوصول للشارع و مراوغته حتي وصلوا إلي ما يبغون .
و برغم من ذلك كانت الفئة الثورية حريصة علي أن يلتزموا بمباديء الثورة و تحقيق أهدافها و الفرقتان الأخرتان في ضلالهم القديم و صراعهم السقيم .
فكانت الكثير من الأحداث و الملابسات التي أصطنعها الإخوان بالتعاون مع المؤسسة العسكرية لإلهاء تلك الفئة , حتي تسير الخطة كما يجب أن تكون عليها .
فكان قبيل أي حدث سياسي ضخم أو اثناءه , كانت تصطنع الإشتباكات بجميع أنحاء الجمهورية في آن واحد لتستنكرها الجماعة و تستنكرها المؤسسة العسكرية في آن واحد , ليقع من يقع من شباب الثورة الأطهار في أحداث ماسبيرو و محمد محمود و مجلس الوزراء بيد الخس و الحقارة .
و تمت تلك الصفقات بنجاح , إلا أن وصل الإخوان إلي سدة السلطة التشريعية و التنفيذية و حينها وصل مندوب الجماعة في قصر الرئاسة الرئيس المعزول "محمد مرسي" .
عندها تسائلت لماذا ؟؟؟ ... لماذا فعلت المؤسسة العسكرية هذا كله , أهل حقاً أرادوا تسليم السلطة إلي مدنياً بما يحفظ مصالحهم معهم أم أن هناك شيئاً آخر لا أدركه في تلك اللحظة .
لكن سرعان ما أكتشفت ما هو الشيء الآخر الذي لم أراه آن ذاك , أن المؤسسة العسكرية علي علم تام كما ذكرت سابقاً بمدي خطورة هذه الجماعة و بمدي قدرتها التنظيمية و خطورتها في الشارع المصري و يعلمون جيداً أن تلك الجماعة ستظل علي ثقة بتلك المؤسسة بعد أن ساندوها في الوصول لتلك المكانة من السلطة و يعلمون جيداً أن غبائهم السلطوي سيدفع بهم إلي معارضة المصالح المشتركة و إنهم سرعان ما سيفقدون الشارع و القوي الأخري التي ساندتها في الإنتخابات الرئاسية في مواجهة "شفيق" .
و كانت أولي دلالات صدق ما أقول عندما أصدرت الجماعة أوامرها لمندوبها بقصر الرئاسة بإصدار الإعلان الدستوري الفاشي , الذي يعد مخالفاً لما كان متفقاً عليه , و ما كان من المؤسسة العسكرية إلا أن أرتفع بوق الإنذار لهذا النظام بما عرف بـ " جمعة حرق المقرات " فما حدث في ذلك اليوم بشكل منظم مثير للجدل , لكن غباء الجماعة جعلها لم تدرك ذلك بل و تعاملت معه بغباء شديد فهم لم يعوا ذلك ثم كان المسمار الأخير الذي بدوره أصدر حكماً بالإعدام لهذا النظام الغبي , عندما ثار أمر مناقشة الميزانية الخاصة بالمؤسسة العسكرية و هنا جاء دور صراع المؤسسات ليحدث ما عرف آن ذاك بصراع السلطة القضائية حينما صدر عقب ذلك قراراً من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب , و كل ذلك لم يدرك الإخوان من يصارعون بل و إزداد غبائهم في مصارعة القوي المدنية ليتم تنحيتهم في كتابة الدستور مما أحدث فجوة أعظم في هذا الصراع , و هنا جائت المؤسسة العسكرية و المخابراتية بدورها لتبدأ عقد صفقات مع تلك القوي التي تم تنحيتها و بدأ العد التنازلي لسقوط هذا النظام, و كل ذلك أحدث فجوة أخري بين المواطن البسيط و السلطة فزادت كراهية الشارع لتلك الجماعة التي لا تملك لا مشروعاً ولا سيطرة علي مقدرات الوطن لتسخيره للمواطن البسيط الذي أعطي ثقته لهم .
ثم ظهرت حملة "تمرد" التي آثارت العديد من التساؤلات و الشبهات لكن ما كان جلياً لي آن ذاك , أن تلك الحملة صنعت من أجل هدف محدد و صريح و هو إستجلاب القوي الناعمة بإسلوب الثورة و الشباب و هذا ما لا تستطيع المؤسسة العسكرية إعلانه صراحةً , إلا بإستخدام الوجهات الشبابية التي تستطيع عن طريق إستغلال الأزمات توجيه تلك القوي الناعمة إلي الثورة ضد هذا النظام و هكذا ثار شعب مصر ضد هذا النظام الفاشي في 30 يونيو .
وبذلك كان قد قضي الأمر في أكثر الكيانات المنظمة في الشارع المصري بعد أن رأي الشعب فشلهم و جرائمهم في حق من يعارضوهم و ذلك كله لأنه لم يلتزم بقواعد صانع حلبة الصراع فما كان منه إلا أن إستطاع إيقاعه في شر أعماله خارج تلك الحلبة ليتلقفه الجمهور .
هكذا و لم تتعلم القوي التي تدعي المدنية من أخطاء من سبقوها , فهم يسيرون بخطي ثابتة علي نفس النحو الذي سار فيه الإخوان المسلمين , لكني آمل بأن تخيب ظنوني تلك , لكني أري أن سقوطهم أمر حتمي لأنهم لن يصمدوا و لا يمتلكون مشروعاً يكسبون من خلاله رضاء القوي الناعمة بالشارع المصري و هذا ما سيودي بهم في زمرة من سبقوهم .
و أكبر دليل علي عدم قابلية الشارع لوصول تلك الفئة هي رغبة الشارع العارمة في وصول الفريق "عبدالفتاح السيسي" إلي الرئاسة حتي بعد أن أعلن مراراً و تكراراً عدم نيته علي ذلك , لكن ذلك من وجهة نظري الخاصة من ضمن الخطة المحكمة , فعليه أن يسقط مسبقاً تلك القوي حتي لا يبقي للشارع سوي المؤسسة العسكرية مغيثاً, نعم فإن الثورة القادمة علي أولئك من يدعون الدولة المدنية و سيشارك بها الثوار و الشعب جميعاً بنفس الآليات التي تمت مع نظام الإخوان .
لكن أهل هنا مخرجاً من ذلك أو بعد ذلك ؟؟؟؟؟
نعم إني أري حتمية سقوط تلك القوي المدنية و حتمية سقوط من سبقوهم و من سبقوهم أيضاً ... فعسي أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم .
فإن الوحيدون الذين شاركوا في إسقاط تلك الأنظمة هم الوحيدون القادرين علي توحيد صفوف جميع من سقطوا لبناء دولة فستكن الثورة الرابعة بمشاركة الإخوان و الفلول و المدينيين لكنها بقيادة الثوار الثابتين علي الأفكار , قد تكن وجهة نظري صحيحة أو خاطئة أو قد أكن واهماً لكن في النهاية هذا لا يعني إطلاقاً تخويني لأي طرف سواء الفلول أو الإخوان أو المدنيين أو المؤسسة العسكرية لكن أعترف بغباء الجميع الذي جعلهم في ما هم فيه الآن , فهم جميعاً يسيرون نحو الهاوية فهم يصارعون أنفسهم و يصارعون اللا شيء من أجل اللا شيء لا من أجل الوطن .
أردت في داخلي أن أرضي قناعاتي و أن أقول ما عجز الكثيرون عن قوله
و علي هذا فهناك من يصارع وفقاً لقواعده الخاصة التي تتسق مع مبادئه و التي قد تغضب منه الجمهور أحياناً و قد تغضب صاحب الحلبة أيضاً لأنه لم يأبه بالقواعد التي وضعها .
هذا المصارع يعلم جيداً إنه قد تكسر ضلوعه ... قد تتهشم رأسه لكن آثر علي كل ذلك عقله الذي أنجب الفكرة و حافظ عليها لأنه علم و أدرك أن الأفكار دائماً أبقي و أخلد من أجسادنا .
و علي الصعيد الآخر فهناك من يتصارع وفقاً لمبدأ " الغاية تبرر الوسيلة " فهو يتصارع حسب ما تفرضه الحلبة عليه من أجواء و تقلبات و وفقاً للشروط و القواعد التي وضعها صانع الحلبة , و ما إن تبدلت المصالح المشتركة بين المصارع و الصانع حتي إستطاع الصانع من الإيقاع به بسهولة و كما يقولون يستطيع إيقاعه في شر أعماله !!
هذا هو واقعنا السياسي في مصر , هذا ما لم يدركه أولئك من يتصارعوا علي الساحة من مدعين سواء مدعي الدولة المدنية أو مدعي الدولة الدينية , كلاهما يتصارعان من أجل البقاء و كل منهم يتصارع من أجل الوصول للسلطة و سيظلوا هكذا واهمين أنفسهم بقبض الريح بأيديهم !!
و من هنا نستطيع أن نبدأ المقال ......
لنعود بالزمان إلي الخلف قليلاً , حينما بدي في الأفق جلياً فكرة التوريث في عهد الرئيس المخلوع " مبارك " , و عندما بدأت تظهر مؤشرات توحي بجدية رغبة العائلة المباركية في أن تنتقل السلطة من مبارك الأب إلي مبارك الإبن " جمال مبارك " .
عندها لاح في الأفق لأول مرة علي الساحة السياسية إسم اللواء " عمر سليمان " و بدأ إسمه يتداوله الناس في أحاديثهم علي غير العادة عن كون رئيس جهاز المخابرات غير راضياً عن إنتقال السلطة من مبارك الأب إلي مبارك الإبن , و عن كون المؤسسة العسكرية غير راضية عن ذلك تماماً , لكن الغريب في ذلك أن عندما تناقل الناس هذا الكلام آن ئاك تناثر كلام حوول أن إعتراض المؤسسة العسكرية ليس علي مبدأ التوريث بل إنما علي مبدأ إنتقال السلطة من يد السلطة العسكرية المتمثلة في "مبارك" إلي شخص "مدني" أياً كان من هو .. !!
و هنا كانت أولي حلبات الصراع , عندما بدأت المؤسسة العسكرية تنسحب تدريجياً من دعم نظام مبارك خاصاً عندما رأوا ما قام به مبارك و وزير داخليته آن ذاك "حبيب العادلي" عندما قام بتكثيف القوي العددية لقوات الأمن حتي إنها كادت أن تصبح أكثر قرباً إلي صورة الجيش الموازي لا ينقصها سوي الدبابات و الطائرات .
فهذا الجيش الموازي الذي كان يجهز لحماية عملية التوريث تلك , حتي ما أعلنت المؤسسة العسكرية رفضها التام و الصريح لجمال مبارك , فكان من ذلك الجيش الموازي إلا أن يتصدي لذلك الرفض بتصفية المعارضين كم أي جانب كان حتي و إن كانت المؤسسة العسكرية ذات نفسها و هنا كان سيحدث ما لا يحمد عقباه .
و هنا آثرت المؤسسة العسكرية إلتزام الحياد المائل نحو حتمية سقوط هذا النظام و وضع آلية لذلك و لإحتواء ذلك ما إن إنتفض الشعب حيال ذلك و أن يبقي الوضع تحت سيطرتهم , وذلك بما لا يضر بمصالحهم داخل مؤسسات الدولة و هيمنة هذه المؤسسة علي كل كبيرة و صغيرة فتلك الهيمنة التي ظلت و أمتدت لطوال 60 عاماً ظل في الحكم العسكري منذ عام 1952 .
و هنا كانت أولي جولات الصراع , حين تصارع الجميع بكل طوائفه و بكل توجهاته الفكرية ضد نظام مبارك حتي سقط في 11 فبراير بعد ضغط شعبي و عسكري بعد أن إنسحبت المؤسسة العسكرية من دعم هذا النظام و كان الإنسحاب إنسحاباً تكتيكياً مخطط له ضمن خطو كاملة لإحتواء الأمر .
فلا يجب أن ننسي أو نتناسي أن قبل 25 يناير كان مبارك كان قد أحال ملف متابعة و إحتواء ما سيحدث إلي مكتب قائد المخابرات العسكرية و الحربية آن ذاك و هو الفريق "عبدالفتاح السيسي" وزير الدفاع الحالي و العضو التاسع عشر بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة السابق بقيادة المشير "طنطاوي" .
و هنا كانت ثاني حلبات الصراع , بعد أن سقط نظام مبارك بيد جميع القوي الوطنية و الشعبية متحدة معاً و بمساندة و ضغط سري من المؤسسة العسكرية حتي سقط طغيان نظام مبارك , لكن سرعان ما يجري البعض وراء أهدافه السلطوية مستعداً لعقد الصفقات و مستعداً لخسارة الجميع من أجل تلك الأهداف و مقابل تحقيق غايته .
هكذا فعلت الجماعة المحظورة "الإخوان المسلمين" و كذلك كانت خير آداة تلعب بها المؤسسة العسكرية و المخابراتية لتطبيق مبدأ " فرق تسد " فهم يعلمون خطورتهم ما إن وصلوا إلي السلطة و يعلمون قدرتهم التنظيمية التي هي بقادرة علي تسخيرها لتفرقة الصف .
و بدأ حينها الصراع يشتد بين الفرقتان المتناحرتان , فأحدهما يدعي الإستقرار و الحفاظ علي الشريعة و الطابع الديني للدولة و الآخر يدعي الحفاظ علي مدنية الدولة و الديموقراطية و الحفاظ علي الثورة و مكتساباتها, بغض النظر عن كونهما هما الإثنان كاذبان وكلاهما يقولان ما لا يفعلون , لكن صراعهم ذلك سواءاً في الإستفتاء علي التعديلات الدستورية أو علي دستور 2012 أو في مجلسي الشعب و الشوري ثم في الرئاسة .
كانت كلها صراعات مقصودة لتعميق ذلك الصراع و لتولد جبهات أخري أكثر و أكثر لتفرقة الصف , وفي ظل هذه الصراعات و المعارك يولد الثائر الحق الثابت علي مبدئه , فقد أدرك حينها الكثير من الشباب أن كلا الفريقان لا يعملان لا من أجل الثورة ولا من أجل الوطن إنما لمصلحتهم السلطوية فقط لا غير .
فالإخوان كما نعلم جميعاً عقدوا العديد من الصفقات مع المؤسسة العسكرية بكافة الطرق و السبل للوصول إلي سدة الحكم , أما النخبة المدنية فهي تنادي و تتكلم من الأبراج العالية و تتحدث عن مطامع سلطوية هي الأخري و يتكلمون و لو كأن ثورة لم تقم و كأن المواطن مهتماً بتلك الشئون السلطوية , فالمواطن البسيط لا ينظر إلي تلك المهاترات لكن ينظر إلي من يري فيه أن يحقق له لقمة العيش و الخدمات و هكذا أجاد الإخوان الوصول للشارع و مراوغته حتي وصلوا إلي ما يبغون .
و برغم من ذلك كانت الفئة الثورية حريصة علي أن يلتزموا بمباديء الثورة و تحقيق أهدافها و الفرقتان الأخرتان في ضلالهم القديم و صراعهم السقيم .
فكانت الكثير من الأحداث و الملابسات التي أصطنعها الإخوان بالتعاون مع المؤسسة العسكرية لإلهاء تلك الفئة , حتي تسير الخطة كما يجب أن تكون عليها .
فكان قبيل أي حدث سياسي ضخم أو اثناءه , كانت تصطنع الإشتباكات بجميع أنحاء الجمهورية في آن واحد لتستنكرها الجماعة و تستنكرها المؤسسة العسكرية في آن واحد , ليقع من يقع من شباب الثورة الأطهار في أحداث ماسبيرو و محمد محمود و مجلس الوزراء بيد الخس و الحقارة .
و تمت تلك الصفقات بنجاح , إلا أن وصل الإخوان إلي سدة السلطة التشريعية و التنفيذية و حينها وصل مندوب الجماعة في قصر الرئاسة الرئيس المعزول "محمد مرسي" .
عندها تسائلت لماذا ؟؟؟ ... لماذا فعلت المؤسسة العسكرية هذا كله , أهل حقاً أرادوا تسليم السلطة إلي مدنياً بما يحفظ مصالحهم معهم أم أن هناك شيئاً آخر لا أدركه في تلك اللحظة .
لكن سرعان ما أكتشفت ما هو الشيء الآخر الذي لم أراه آن ذاك , أن المؤسسة العسكرية علي علم تام كما ذكرت سابقاً بمدي خطورة هذه الجماعة و بمدي قدرتها التنظيمية و خطورتها في الشارع المصري و يعلمون جيداً أن تلك الجماعة ستظل علي ثقة بتلك المؤسسة بعد أن ساندوها في الوصول لتلك المكانة من السلطة و يعلمون جيداً أن غبائهم السلطوي سيدفع بهم إلي معارضة المصالح المشتركة و إنهم سرعان ما سيفقدون الشارع و القوي الأخري التي ساندتها في الإنتخابات الرئاسية في مواجهة "شفيق" .
و كانت أولي دلالات صدق ما أقول عندما أصدرت الجماعة أوامرها لمندوبها بقصر الرئاسة بإصدار الإعلان الدستوري الفاشي , الذي يعد مخالفاً لما كان متفقاً عليه , و ما كان من المؤسسة العسكرية إلا أن أرتفع بوق الإنذار لهذا النظام بما عرف بـ " جمعة حرق المقرات " فما حدث في ذلك اليوم بشكل منظم مثير للجدل , لكن غباء الجماعة جعلها لم تدرك ذلك بل و تعاملت معه بغباء شديد فهم لم يعوا ذلك ثم كان المسمار الأخير الذي بدوره أصدر حكماً بالإعدام لهذا النظام الغبي , عندما ثار أمر مناقشة الميزانية الخاصة بالمؤسسة العسكرية و هنا جاء دور صراع المؤسسات ليحدث ما عرف آن ذاك بصراع السلطة القضائية حينما صدر عقب ذلك قراراً من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب , و كل ذلك لم يدرك الإخوان من يصارعون بل و إزداد غبائهم في مصارعة القوي المدنية ليتم تنحيتهم في كتابة الدستور مما أحدث فجوة أعظم في هذا الصراع , و هنا جائت المؤسسة العسكرية و المخابراتية بدورها لتبدأ عقد صفقات مع تلك القوي التي تم تنحيتها و بدأ العد التنازلي لسقوط هذا النظام, و كل ذلك أحدث فجوة أخري بين المواطن البسيط و السلطة فزادت كراهية الشارع لتلك الجماعة التي لا تملك لا مشروعاً ولا سيطرة علي مقدرات الوطن لتسخيره للمواطن البسيط الذي أعطي ثقته لهم .
ثم ظهرت حملة "تمرد" التي آثارت العديد من التساؤلات و الشبهات لكن ما كان جلياً لي آن ذاك , أن تلك الحملة صنعت من أجل هدف محدد و صريح و هو إستجلاب القوي الناعمة بإسلوب الثورة و الشباب و هذا ما لا تستطيع المؤسسة العسكرية إعلانه صراحةً , إلا بإستخدام الوجهات الشبابية التي تستطيع عن طريق إستغلال الأزمات توجيه تلك القوي الناعمة إلي الثورة ضد هذا النظام و هكذا ثار شعب مصر ضد هذا النظام الفاشي في 30 يونيو .
وبذلك كان قد قضي الأمر في أكثر الكيانات المنظمة في الشارع المصري بعد أن رأي الشعب فشلهم و جرائمهم في حق من يعارضوهم و ذلك كله لأنه لم يلتزم بقواعد صانع حلبة الصراع فما كان منه إلا أن إستطاع إيقاعه في شر أعماله خارج تلك الحلبة ليتلقفه الجمهور .
هكذا و لم تتعلم القوي التي تدعي المدنية من أخطاء من سبقوها , فهم يسيرون بخطي ثابتة علي نفس النحو الذي سار فيه الإخوان المسلمين , لكني آمل بأن تخيب ظنوني تلك , لكني أري أن سقوطهم أمر حتمي لأنهم لن يصمدوا و لا يمتلكون مشروعاً يكسبون من خلاله رضاء القوي الناعمة بالشارع المصري و هذا ما سيودي بهم في زمرة من سبقوهم .
و أكبر دليل علي عدم قابلية الشارع لوصول تلك الفئة هي رغبة الشارع العارمة في وصول الفريق "عبدالفتاح السيسي" إلي الرئاسة حتي بعد أن أعلن مراراً و تكراراً عدم نيته علي ذلك , لكن ذلك من وجهة نظري الخاصة من ضمن الخطة المحكمة , فعليه أن يسقط مسبقاً تلك القوي حتي لا يبقي للشارع سوي المؤسسة العسكرية مغيثاً, نعم فإن الثورة القادمة علي أولئك من يدعون الدولة المدنية و سيشارك بها الثوار و الشعب جميعاً بنفس الآليات التي تمت مع نظام الإخوان .
لكن أهل هنا مخرجاً من ذلك أو بعد ذلك ؟؟؟؟؟
نعم إني أري حتمية سقوط تلك القوي المدنية و حتمية سقوط من سبقوهم و من سبقوهم أيضاً ... فعسي أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم .
فإن الوحيدون الذين شاركوا في إسقاط تلك الأنظمة هم الوحيدون القادرين علي توحيد صفوف جميع من سقطوا لبناء دولة فستكن الثورة الرابعة بمشاركة الإخوان و الفلول و المدينيين لكنها بقيادة الثوار الثابتين علي الأفكار , قد تكن وجهة نظري صحيحة أو خاطئة أو قد أكن واهماً لكن في النهاية هذا لا يعني إطلاقاً تخويني لأي طرف سواء الفلول أو الإخوان أو المدنيين أو المؤسسة العسكرية لكن أعترف بغباء الجميع الذي جعلهم في ما هم فيه الآن , فهم جميعاً يسيرون نحو الهاوية فهم يصارعون أنفسهم و يصارعون اللا شيء من أجل اللا شيء لا من أجل الوطن .
أردت في داخلي أن أرضي قناعاتي و أن أقول ما عجز الكثيرون عن قوله
و بالنهاية يجب أن
يدرك جميع من يتصارعون من أجل البقاء ... إننا نصارعهم من أجل النقاء ... و في
النهاية سننتصر بكم أنتم و ليس عليكم !!
===========================================
للتواصل مع الكاتب علي صفحته الرسمية علي الفيس بوك :
للتواصل مع الكاتب علي حسابه الشخصي علي الفيس بوك :
للتواصل مع الكاتب علي تويتر :
للتواصل مع الكاتب علي إيميله و مراسلته :
Ma7moud.3bdelsalam@gmail.com
