ثورتـين في واحد
بقلم : محمود عبد السلام علي
أنتظرنا بعد أن قمنا بخلع الطاغية أن يتم هدم سور الطغيان و كيانات الفساد المحيطة به آن ذاك .
أنتظرنا كثيراً و طال أنتظارنا , حتي رأينا من بعيد أناس كثيرون ظننا أنهم قد جاءوا معنا ليهدموا هذا السور و يساعدونا فيما بدأنا فيه .
و عندما أقتربوا و وصلوا ألينا وجدناهم أشياعاً متفرقة , فلولاً متناثرة .
لا هم لهم سوي تعطيل الزحف المقدس نحو هدم كيانات الأستبداد و الطغيان و الفساد ليس بإرادتهم و لكن بموجب عدم تفهمهم و عدم أجتماعهم علي هدف واحد ألا و هو خدمة هذا الوطن .
و منذ تلك اللحظة أدركت أن الصورة مازالت قاتمة و قد تكون أسوأ مما كانت عليه قبل ذلك .
و عند ذلك أدركت أن مهمة الطليعة الثورية لم تنتهي بعد , تلك الطليعة كانت تختاج إلي النظام فترك لها النظام السابق ما يكفي من الفوضي و تحتاج إلي الإتحاد فسارع الكثيرون إلي تشتيتنا و تحزيبنا .
أعترف أن هذا الحال كله سبب لي و للكثير حالة من الأحباط و تسبب لنا في حالة نفسية سيئة .
ولكن بعد أن دققت في فلسفة الثورات و البحث في التجارب السابقة و أستخلاص المعاني الحقيقية لما عاناته الثورات السابقة .
كل هذا ساعدني أن أخفف علي نفسي وقع الأزمة التي نعانيها و جعلتني ألتمس لهذا كله أعذاراً من الواقع حينما نظرت اللي الصورة الكاملة لحالة الوطن .
فوجدت أننا نعيش في ثورتين و ليس في ثورة واحدة و أن لكل شعوب الأرض ثورتان
الأولي ثورة سياسية يسترد بها الشعب حقه في حكم نفسه بنفسه من يد طاغية فرض عليه , أو من جيش معتد أقام علي أرضه دون رضاه.
أما الثانية فهي ثورة إجتماعية تتصارع فيها الطبقات ثم يستقر فيها الأمر عندما تتحقق العدالة لأبناء الوطن الواحد .
الغريب في الأمر أن كل الشعوب مرت عليها تلك الثورتان لكن لم يعيشوا الثورتان في آن واحد
أنا الخلاصة في تلك التجربة التي نعيشها أن لكل من الثورتين خصائص و ظروفاً خاصة مختلفة عن الأخري , تتنافر تنافراً عجيباً و تتصادم تصادماً مروعاً .
فإن الثورة السياسية تتطلب لإنجاحها الإتحاد بين عناصر الأمة و ترابطهم و تساندهم و إنكارهم للذات .
أما الثورة الإجتماعية فإن أهم مقوماتها تزلزل القيم و تخلخل العقائد و تصارع المواطنين مع أنفسهم أفراداً و طبقات و أيدولوجيات و تحكم الفساد و الشك و الكراهية .
وبين شقي الرحي هذين قدر لنا أن نعيش في ثورتين .
ثورة تحتم علينا أن نتحد و نتحاب و نتفاني في الهدف و ثورة تفرض علينا برغم أرادتنا أن نتفرق و تسودنا البغضاء ولا يفكر كل منا سوي في نفسه فقط .
وبين شقي الرحي تلك ضاعت مثلاً ثورة 1919 ولم تستطع أن تحقق أهدافها فقد تجمعت جموع الشعب لهدف إسقاط أنظمة الفساد و الطغيان لكنها لم تلبث إلا قليلاً حتي شغلها الصراع فيما بينها أفراداً و طبقات .
و كانت النتيجة فشل ذريع فقد زاد الطغيان تحكماًُ فينا بواسطة قوات الأحتلال المقنع التي كان يتزعمها في ذلك الوقت السلطان فؤاد .
وعندها لم يحصد الشعب إلا الشكوك في نفسه و إلا الكراهية و البغضاء و الأحقاد فيما بين أفراده و طبقاته , و شحب الأمل الذي كان ينتظر أن تحققه ثورة 1919 مثلما شحب الأمل حالياً الذي كان من المنتظر أن تحققه ثورة 25 يناير و هنا قلت شحب ولم أقل تلاشي أو مات الأمل و ذلك لأن قوي المقاومة الطبيعية التدي تدفعها الآمال الكبيرة و الأهداف النبيلة التي تراود شعبنا كانت لا تزال تعمل عملها و تستعد لمحاولة جديدة ولهذا فإن شحوب الأمل هذا بارقة خير فنحن مازلنا في أنتظار ثورة أخري تصحح أخطاء تلك الثورة
أما إذا أردنا أن تكتمل تلك الثورة الشعبية حتي تتحقق أهدافها فيجب علينا أن نسير في طريق الثورتين معاً
مقال لشاب صاعد وواعد له مستقبل سياسي واعد .... إلى الأمام يا محمود
ردحذف