لقد وقعنا في الفخ !!
بقلم : محمود عبدالسلام علي
الصراحة
توفر علينا الكثير من العناء و المشقة في التفكير و التدبير , لذا يجب
علينا في باديء الأمر أن نصارح بعضنا البعض و أن نقر و نعترف بأن ثورتنا
الآن في الطور الأخير من الأحتضار .
فإن كلمة إحتضار قد تكون ثقيلة علي بعض الناس وتحمل نبرة من اليأس و الشجن الذي صار يخيم علي الوضع الحالي لوطننا العزيز مصر .
فإن
ما نراه حالياً من تدهور في الحالة الثورية هو ما جعلني أشعر بأن الثورة
تتلفظ آخر أنفاسها في الشارع المصري الذي أحتسبه في ذمة الله بعد أن مات
متأثراً بجراحه العميقة التي أمتدت طوال السنين العجاف التي مرت بها بلادنا
و مازالت تعيشها حتي الآن بأثر رجعي للفترة السابقة التي أصفها بالعسيرة
والتي تحتاج إلي سنين و ليس أيام لبعث الروح في الجثمان الهامد للشارع
المصري .
فإننا كما نعلم جميعاً أن للمجلس الأعلي للقوات المسلحة اليد العليا في عملية إغتيال الثورة و آلية قيادة الثورة المضادة بكل حرفية .
فيجب علينا أيضاً أن نعترف أن للثوار أيد آثمة في بعض المواقف و التصرفات إتجاه إجهاض الثورة و وأد صرخاتها بالتغيير.
فإن
تلك المواقف التي بدرت من الثوار أصفها بعض الأحيان بالحمق أو بالمراهقة
السياسية كما يصفها البعض لأن تلك التصرفات الغير مسئولة كانت تبرر في كثير
من الأحيان للظالم ظلمه و للقاتل قتله .
فعلي مر الخمسة عشر شهراً الماضيين نصبت لنا العديد من الفخاخ المحبوكة بشدة علي الصعيدين السياسي و الثوري .
فكانت
الفخاخ تنصب إلينا بشكل زوجي بمعني أن الثورة كان يجب عليها أن تكون علي
خطي ثابتة متزامنة مع الخطي السياسية أي السير في الطريقين معاً .
ولذلك
كانت تصطنع الأزمات بهذا الشكل الزوجي حيث يضع لك فخاً سياسياً في التزامن
مع فخاً ثورياً من جهة أخري , مما نتج عن ذلك نوعاً من التخبط و حالة
الصعود و الهبوط في المزاج الثوري وفي عملية التغيير التي كنا ننشدها ولم
تحدث .
فمثلاً
حينما كان الشعب المصري منشغلاًً بالإستفتاء علي التعديلات الدستورية كانت
أولي الأزمات الثورية المصطنعة من قبل المجلس العسكري و هي فض إعتصام
أهالي الشهداء في 11 مارس 2011 .
و
هنا كان إنجراف الثوار نحو الجبهة الثورية و إهمال الجبهة السياسية و
تركها في أيدي المتآمرين من القوي السياسية الذين وضعوا أيديهم في يد عمر
سليمان حينما طلب منهم في يوماً من أيام الثورة تحريض المتظاهرين علي إخلاء
الميادين .
وبعد أن نجحت الثورة في خلع رأس النظام وضعوا أيديهم في أيدي جنرالات المجلس العسكري .
ثم تلاعبوا بعقول البسطاء حينما إدعوا بأن القول بنعم في الإستفتاء واجب شرعي لأنه يحقق الإستقرار للبلاد .!!!!
و
هكذا الكثير من الأحداث التي إذا تمعني النظر في مجرياتها الساسية و
الثورية بوجدنا تلك الأحداث هي فخاخ حقيقية أدت فيما بعد إلي إغتيال الثورة
.
أما عن الفخاخ التي وقع فيها الثوار فيما بينهم و أدت إلي ذلك أيضاً فهي كالآتي :
الفخ
الأول كان الإفراط في إستخدام الأداة الثورية علي أي كبيرة أو صغيرة مما
أدي إلي حالة من الملل الثوري للشارع المصري الذي طالما عاش مسالماً خاضعاً
لأي أضطهاد و ظلم ولا يبالي بهم .
أما
عن الفخ الثاني : كان نتيجةً للفخ الأول فالإفراط في إستخدام الأداة
الثورية أدي فيما بعد إلي دخول عناصر غريبة عن الصف الثوري ترتدي زي الثوار
و ماهم بثوار قط , يرددون هتافاتك و يتحمسون لها لدرجة الرغبة في صنع
المواجهات و المشادات بين المتظاهرين وبعض و بين المتظاهرين و عناصر الأمن .
وعندما
تحدث المواجهات لا تجد منهم أحداً فيحصد الثوار الحقيقين الثمار المرة من
تلك المواجهات التي يرحل فيها خير شباب مصر و نحتسبهم شهداء بإذن الله .
أما
عن الفخ الثالث : هو أغبي الفخاخ التي وقعت في الثورة و الثوار , وهو فخ
شق الصف عن طريق التحزب و كثرة الإئتلافات و الحركات التي لا أنكر دورها
الوطني العظيم في هذا الحراك السياسي و الثوري , لكن برغم علمي الكامل
بوطنيتهم الشديدة إلا إني كنت أري أحياناً إن إنتمائهم الحزبي أو الحركي
أكثر من أنتمائهم لوطنهم هذا .
أعلم جيداً إن هذا الإحساس خاطيء مئة بالمئة بموجب كثرة تعاملي معهم و علمي الجيد بكثرة تضحياتهم .
ويندرج تحت هذا الفخ بنود كثيرة منها : عدم التوحد علي قائد و عدم التوحد علي كلمة و سياسة موحدة لخوض المرحلة القادمة .
أما
الفخ الرابع : فهو نتيجة للفخ الثالث , فإن عدم التوحد و التشتت أدي في
بعض الأحيان إلي الصراعات الطفيفة مما أعطي فرصة لراكبي الثورة من القوي
السياسية بإنتهاز الفرصة و الأصطياد في المياه العكرة و كان الفائزالوحيد
من تلك الصراعات الحمقاء حيث نالوا ما يريدون و لم تحصل الثورة علي ما تريد
.
فماذا لو كانت توحدت القوي الثورية ؟؟؟؟
سأجب
أنا : لكنا رأينا برلمان يشعر حقاً بالمسئولية الثورية إتجاه هذا الشعب ,
لكنا رأينا القصاص العادل , و لرأينا شباب ممن صنعوا هذه الثورة بدمائهم و
تضحياتهم يجنون ما زرعوه طوال الأعوام السابقة من تضحيات .
لكن هذا التشتت هو ما جعلهم حتي الآن مستمرين بالتضحية و لهم منا كل الإحترام و التقدير .
أما
الفخ الخامس و الأخير : هو صنع فجوة بين المواطن المصري البسيط الذي يسعي
وراء لقمة عيش نظيفة من أجل أبنائه و أسرته وبين المواطن المصري البسيط
الثائر الذي يسعي نحو حريته و كرامة بلاده قبل أن يسعي إلي لقمة عيشه .
فكلاهما يحب وطنه لا محالة في ذلك , ولكن لكل منهم طريقته في و أسلوبه .
فالأول يري أن صمته و عمله و سيره بجانب الحائط قد يحقق الإستقرار المنشود .
والثاني يري أن هتافه و صراخه بكلمة الحق في وجه الظلم هو طريقه نحو حلمه ببلد أساسها الحرية و العدالة الإجتماعية .
فهذا
المواطن البسيط الذي نزل في أيام الثورة نزل من منزله في أيام البرد
القارس حينما سمع مثلاً هتاف " غلوا السكر غلوا الزيت ... بكرة نبيعوا عفش
البيت "
فرأي
في من يهتفون تلك الهتافات كأنهم يهتفون من أجله من أجل أوجاعه و آلامه ,
فنزل من بيته وسمعهم يرددون هتاف " يسقط يسقط حسني مبارك " و " الشعب يريد
إسقاط النظام " كان يهتف لأنه كان يري في هذا الهتاف سبيلاً لرفع عناء
المعيشة و قسوتها .
فأنا
أذكر مثلاً يوم 12 / 2 / 2011 نزلت من بيتي لأستنشق عطر الحرية بعد سقوط
المخلوع فوجدت أمرأة تقول لرجل " يا خويا شلنا مبارك أخيراً و أخيراً حتنزل
الأسعار".
و هذا هو السبب في تحليلي للمواطن المصري البسيط الذي يعاني من الأمية بنوعيها : الأمية السياسية و الأمية الكتابية .
فعلي
الصف الثوري أن يدرك جيداً أن الشارع المصري يراه الآن قد تخلي عنه و أن
الناشطين السياسيين يعيشون في كوكباً آخر غير الذي نعيش فيه بعيداً عن
أوجاع المواطن و آلامه , فكيف تأتي له الآن و تقول له ثور و ردد " يسقط
يسقط حكم العسكر "
وهو يراك تخليت عنه و تريد مصالحاً لا يراها في صالحه .
و
أخيراً يا ثوار مصر الأحرار لا نريد أن نقول لقد و قعنا في الفخ و لا نريد
أن يأتي لأبنائنا سؤالاً في أمتحان التاريخ يقول في " أذكر أسباب فشل ثورة
25 يناير2011
مازلنا نستطيع أن نصعق الجثمان الهامد لتدب فيه الحياة من جديد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق